الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله: (باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة) تقدم الكلام على ذلك قريبا في باب مسح الرأس، وتقدمت المسألة أيضا في حديث ابن عباس في أوائل الوضوء. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ أَفْرَغَ مِنْ الْإِنَاءِ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ غَسَلَ أَوْ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفَّةٍ وَاحِدَةٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَا أَقْبَلَ وَمَا أَدْبَرَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (ثم غسل) أي فمه (أو مضمض) كذا عنده بالشك، وأخرجه مسلم عن محمد بن الصباح عن خالد بسنده هذا من غير شك ولفظه " ثم أدخل يده فاستخرجها فمضمض واستنشق " وأخرجه أيضا الإسماعيلي من طريق وهب بن بقية عن خالد كذا، فالظاهر أن الشك فيه من مسدد شيخ البخاري. وأغرب الكرماني فقال: الظاهر أن الشك فيه من التابعي. قوله: (من كفة واحدة) كذا في رواية أبي ذر، وفي نسخة " من غرفة واحدة " وللأكثر " من كف " بغير هاء. قال ابن بطال: المراد بالكفة الغرفة، فاشتق لذلك من اسم الكـف عبارة عن ذلك المعنى، قال: ولا يعرف في كلام العرب إلحاق هاء التأنيث في الكف، ومحصله أن المراد بقوله كفة: فعلة، لا أنها تأنيث الكف. وقال صاحب المشارق: قوله من كفة هي بالضم والفتح كغرفة وغرفة أي ما ملأ كفه من الماء. قوله (ثم غسل يديه) لم يذكر غسل الوجه اختصارا، وهو ثابت في رواية مسلم وغيره. وبقية مباحث هذا الحديث تقدمت قريبا. *3* الشرح: قوله: (باب مسح الرأس مرة) للأصيلي مسحة. الحديث: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ لَهُمْ فَكَفَأَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثًا ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ بِهِمَا ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ و حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ مَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّةً الشرح: قوله: (فدعا بتور من ماء) كذا للأكثر، وللكشميهني " فدعا بماء " ولم يذكر التور. قوله: (فكفأه) أي أماله، وللأصيلي " فأكفأه " وقد تقدم النقل أنهما بمعنى. قوله (فأقبل بيده) كذا هنا بالإفراد، وللكشميهني بالتثنية. قوله: (حدثنا وهيب) أي بإسناده المذكور وحديثه، وقد تقدمت طريق موسى هذه في باب غسل الرجلين إلى الكعبين، وذكر فيها أن مسح الرأس مرة، وقد تقدم نقل الخلاف في استحباب العدد في مسح الرأس في باب الوضوء ثلاثا ثلاثا في الكلام على حديث عثمان، وذكرنا قول أبي داود: إن الروايات الصحيحة عن عثمان ليس فيها عدد لمسح الرأس، وأنه أورد العدد من طريقين صحح أحدهما غيره، والزيادة من الثقة مقبولة فيحمل قول أبي داود على إرادة استثناء الطريقين اللذين ذكرهما، فكأنه قال: إلا هذين الطريقين، قال ابن السمعاني في الاصطلاح: اختلاف الرواية يحمل على التعدد، فيكون مسح تارة مرة وتارة ثلاثا، فليس في رواية " مسح مرة " حجة على منع التعدد. ويحتج للتعدد بالقياس على المغسول لأن الوضوء طهارة حكمية، ولا فرق في الطهارة الحكمية بين الغسل والمسح. وأجيب بما تقدم من أن المسح مبني على التخفيف بخلاف الغسل، ولو شرع التكرار لصارت صورته صورة المغسول. وقد اتفق على كراهة غسل الرأس بدل المسح وإن كان مجزئا، وأجاب بأن الخفة تقتضي عدم الاستيعاب وهو مشروع بالاتفاق فليكن العدد كذلك، وجوابه واضح. ومن أقوى الأدلة على عدم العدد الحديث المشهور الذي صححه ابن خزيمة وغيره من طريق عبد الله بن عمرو بن العاص في صفة الوضوء حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن فرغ " من زاد على هذا فقد أساء وظلم " فإن في رواية سعيد بن منصور فيه التصريح بأنه مسح رأسه مرة واحدة، فدل على أن الزيادة في مسح الرأس على المرة غير مستحبة، ويحمل ما ورد من الأحاديث في تثليث المسح - إن صحت - على إرادة الاستيعاب بالمسح، لا أنها مسـحات مستقلة لجميع الرأس. جمعا بين هذه الأدلة. (تنبيه) : لم يقـع في هذه الرواية ذكر غسل الوجه، وجوز الكرماني أن يكون هو مفعول غسل الذي وقع فيه الشك من الراوي، والتقدير: فغسل وجهه أو تمضمض واستنشق. قلت: ولا يخفى بعده. وقد أخرج الحديث المذكور مسلم والإسماعيلي في روايتهما المذكورة وفيها بعد ذكر المضمضة والاستنشاق " ثم غسل وجهه ثلاثا " فدل على أن الاختصار من مسدد، كما تقدم أن الشك منه. وقال الكرماني: يجوز أن يكون حذف الوجه إذا لم يقـع في شيء منه اختلاف، وذكر ما عداه لما في المضمضة والاستنشاق من الإفراد والجمع، ولما في إدخال المرفقين، ولما في مسح جميع الرأس، ولما في الرجلين إلى الكعبين، انتهى ملخصا ولا يخفى تكلفه. *3* وَتَوَضَّأَ عُمَرُ بِالْحَمِيمِ وَمِنْ بَيْتِ نَصْرَانِيَّةٍ الشرح: قوله: (باب وضوء الرجل) بضم الواو لأن القصد به الفعل. قوله: (وفضل وضوء المرأة) بفتح الواو، لأن المراد به الماء الفاضل في الإناء بعد الفراغ من الوضوء، وهو بالخفض عطفا على قوله " وضوء الرجل". قوله: (وتوضأ عمر بالحميم) أي بالماء المسخن، وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد صحيح بلفظ " إن عمر كان يتوضأ بالحميم ويغتسل منه " ورواه ابن أبي شيبة والدارقطني بلفظ " كان يسخن له ماء في قمقم ثم يغتسل منه " قال الدارقطني إسناده صحيح، ومناسبته للترجمة من جهة أن الغالب أن أهل الرجل تبع له فيما يفعل، فأشار البخاري إلى الرد على من منع المرأة أن تتطهر بفضل الرجل، لأن الطاهر أن امرأة عمر كانت تتوضأ بفضله أو معه، فيناسب قوله " وضوء الرجل مع امرأته " أي من إناء واحد. وأما مسألة التطهر بالماء المسخن فاتفقوا على جوازه إلا ما نقل عن مجاهد. قوله: (ومن بيت نصرانية) هو معطوف على قوله " بالحميم " أي وتوضأ عمر من بيت نصرانية، وهذا الأثر وصله الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما عن ابن عيينة عن زيد بن أسلم عن أبيه به، ولفظ الشافعي " توضأ من ماء في جرة نصرانية " ولم يسمعه ابن عيينة من زيد بن أسلم، فقد رواه البيهقي من طريق سعدان ابن نصر عنه قال " حدثونا عن زيد بن أسلم " فذكره مطولا. ورواه الإسماعيلي من وجه آخر عنه بإثبات الواسطة فقال " عن ابن زيد بن أسلم عن أبيه به " وأولاد زيد هم عبد الله وأسامة وعبد الرحمن، وأوثقهم وأكبرهم عبد الله، وأظنه هو الذي سمع ابن عيينة منه ذلك، ولهذا جزم مه البخاري. ووقع في رواية كريمة بحذف الواو من قوله " ومن بيت " وهذا الذي جرأ الكرماني أن يقول: المقصود ذكر استعمال سؤر المرأة، وأما الحميم فذكره لبيان الواقع. وقد عرفت أنهما أثران متغايران، وهذا الثاني مناسب لقوله " وفضل وضوء المرأة " لأن عمر توضأ بمائها ولم يستفصل، مع جواز أن تكون تحت مسلم واغتسلت من حيض ليحل له وطؤها ففضل منه ذلك الماء، وهذا وإن لم يقع التصريح به لكنه محتمل، وجرت عادة البخاري بالتمسك بمثل ذلك عند عدم الاستفصال، وإن كان غيره لا يستدل بذلك ففيه دليل على جواز التطهر بفضل وضوء المرأة المسلمة لأنها لا تكون أسوأ حالا من النصرانية. وفيه دليل على جواز استعمال مياه أهل الكتاب من غير استفصال. وقال الشافعي في الأم: لا بأس بالوضوء من ماء المشرك وبفضل وضوئه ما لم تعلم فيه نجاسة. وقال ابن المنذر: انفرد إبراهيم النخعي بكراهة فضل المرأة إذا كانت جنبا. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَتَوَضَّئُونَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعًا الشرح: قوله: (حدثنا عبد الله بن يوسف) هو التنيسي أحد رواة الموطأ. قوله: (كان الرجال والنساء) ظاهرة التعميم فاللام للجنس لا للاستغراق. قوله: (في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم) يستفاد منه أن البخاري يرى أن الصحابي إذا أضاف الفعل إلى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم يكون حكمه الرفع وهو الصحيح، وحكى عن قوم خلافه لاحتمال أنه لم يطلع، وهو ضعيف لتوفر دواعي الصحابة على سؤالهم إياه عن الأمور التي تقـع لهم ومنهم، ولو لم يسألوه لم يقروا على فعل غير الجائز في زمن التشريع، فقد استدل أبو سعيد وجابر على إباحة العزل بكونهم كانوا يفعلونه والقرآن ينزل ولو كان منهيا لنهى عنه القرآن، وزاد ابن ماجه عن هشام بن عمار عن مالك في هذا الحديث " من إناء واحد"، وزاد أبو داود من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر " ندلي فيه أيدينا " وفيه دليل على أن الاغتراف من الماء القليل لا يصيره مستعملا لأن أوانيهم كانت صغارا كما صرح به الشافعي في الأم في عدة مواضـع، وفيه دليل على طهارة الذمية واستعمال فضل طهورها وسؤرها لجواز تزوجهن وعدم التفرقة في الحديث بين المسلمة وغيرها. قوله: (جميعا) ظاهره أنهم كانوا يتناولون الماء في حالة واحدة، وحكى ابن التين عن قوم أن معناه أن الرجال والنساء كانوا يتوضؤون جميعا في موضع واحد، هؤلاء على حدة وهؤلاء على حدة، والزيادة المتقدمة في قوله " من إناء واحد " ترد عليه، وكأن هذا القائل استبعد اجتماع الرجال والنساء الأجانب، وقد أجاب ابن التين عنه بما حكاه عن سحنون أن معناه كان الرجال يتوضؤون ويذهبون ثم تأتي النساء فيتوضأن، وهو خلاف الظاهر من قوله " جميعا"، قال أهل اللغة: الجميع ضد المفترق، وقد وقع مصرحا بوحدة الإناء في صحيح ابن خزيمة في هذا الحديث من طريق معتمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه أبصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم من إناء واحد كلهم يتطهر منه، والأولى في الجواب أن يقال: لا مانع من الاجتماع قبل نزول الحجاب، وأما بعده فيختص بالزوجات والمحارم. ونقل الطحاوي ثم القرطبي والنووي الاتفاق على جواز اغتسال الرجل والمرأة من الإناء الواحد. وفيه نظر، لما حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة أنه كان ينهى عنه، وكذا حكاه ابن عبد البر عن قوم، وهذا الحديث حجة عليهم. ونقل النووي أيضا الاتفاق على جواز وضوء المرأة بفضل الرجل دون العكس، وفيه نظر أيضا فقد أثبت الخلاف فيه الطحاوي، وثبت عن ابن عمر والشعبي والأوزاعي المنع لكن مقيدا بما إذا كانت حائضا، وأما عكسه فصح عن عبد الله بن سرجس الصحابي وسعيد بن المسيب والحسن البصري أنهما منعوا التطهر بفضل المرأة، وبه قال أحمد وإسحاق، لكن قيداه بما إذا خلت به لأن أحاديث الباب ظاهرة في الجواز إذا اجتمعا، ونقل الميموني عن أحمد أن الأحاديث الواردة في منع التطهر بفضل المرأة وفي جواز ذلك مضطربة، قال: لكن صح عن عدة من الصحابة المنع فيما إذا خلت به، وعورض بصحة الجواز عن جماعة من الصحابة منهم ابن عباس والله أعلم. وأشهر الأحاديث في ذلك من الجهتين حديث الحكم بن عمرو الغفاري في المنع، وحديث ميمونة في الجواز. أما حديث الحكم بن عمرو فأخرجه أصحاب السنن وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان، وأغرب النووي فقال: اتفق الحفاظ على تضعيفه. وأما حديث ميمونة فأخرجه مسلم، لكن أعله قوم لتردد وقع في رواية عمرو بن دينار حيث قال: علمي والذي يخطر على بالي أن أبا الشعثاء أخبرني. فذكر الحديث، وقد ورد طريق أخرى بلا تردد لكن راويها غير ضابط وقد خولف، والمحفوظ ما أخرجه الشيخان بلفظ " أن النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد"، وفي المنع أيضا ما أخرجه أبو داود والنسائي من طريق حميد بن عبد الرحمن الحميري قال: لقيت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين فقال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة وليغترفا جميعا " رجاله ثقات، ولم أقف لمن أعله على حجة قوية، ودعوى البيهقي أنه في معنى المرسل مردودة لأن إبهام الصحابي لا يضر، وقد صرح التابعي بأنه لقيه، ودعوى ابن حزم أن داود راويه عن حميد ابن عبد الرحمن هو ابن يزيد الأودي وهو ضعيف مردودة، فإنه ابن عبد الله الأودي وهو ثقة، وقد صرح باسم أبيه أبو داود وغيره، ومن أحاديث الجواز ما أخرجه أصحاب السنن والدارقطني وصححه الترمذي وابن خزيمة وغيرهما من حديث ابن عباس عن ميمونة قالت: أجنبت فاغتسلت من جفنة، ففضلت فيها فضلة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منه، فقلت له فقال " الماء ليس عليه جنابة " واغتسل منه. لفظ الدارقطني. وقد أعله قوم بسماك بن حرب راويه عن عكرمة لأنه كان يقبل التلقين، لكن قد رواه عنه شعبة وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم. وقول أحمد إن الأحاديث من الطريقين مضطربة إنما يصار إليه عند تعذر الجمع، وهو ممكن بأن تحمل أحاديث النهي على ما تساقط من الأعضاء، والجواز على ما بقي من الماء، وبذلك جمع الخطابي، أو يحمل النهي على التنزيه جمعا بين الأدلة. والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب صب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءه) بفتح الواو لأن المراد به الماء الذي توضأ به، والمغمى بضم الميم وإسكان المعجمة من أصابه الإغماء. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي وَأَنَا مَرِيضٌ لَا أَعْقِلُ فَتَوَضَّأَ وَصَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ فَعَقَلْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَنْ الْمِيرَاثُ إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلَالَةٌ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ الشرح: قوله: (يعودني) زاد المصنف في الطب " ماشيا " قوله (لا أعقل) أي لا أفهم، وحذف مفعوله إشارة إلى عظم الحال، أي لا أعقل شيئا، وصرح به في التفسير، وله في الطب " فوجدني قد أغمي علي " وهو المطابق للترجمة. قوله: (من وضوئه) يحتمل أن يكون المراد صب علي بعض الماء الذي توضأ به أو مما بقي منه، والأول المراد، فللمصنف في الاعتصام " ثم صب وضوءه علي " ولأبي داود " فتوضأ وصبه علي " قوله: (لمن الميراث) اللام بدل من المضاف إليه كأنه قال ميراثي، ويؤيده أن في الاعتصام أنه قال " كيف أصنع في مالي " والمراد بآية الفرائض هنا قوله تعالى *3* الشرح: قوله: (باب الغسل والوضوء في المخضب) هو بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح للضاد المعجمة بعدها موحدة، المشهور أنه الإناء الذي يغسل فيه الثياب من أي جنس كان، وقد يطلق على الإناء صغيرا أو كبيرا والقدح أكثر ما يكون من الخشب مع ضيق فمه، وعطفه الخشب والحجارة على المخضب والقدح ليس من عطف العام على الخاص فقط بل بين هذين وهذين عموم وخصوص من وجه. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ إِلَى أَهْلِهِ وَبَقِيَ قَوْمٌ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ فَصَغُرَ الْمِخْضَبُ أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ قُلْنَا كَمْ كُنْتُمْ قَالَ ثَمَانِينَ وَزِيَادَةً الشرح: قوله: (حدثنا عبد الله بن منير) هو بضم الميم وكسر النون بعدها ياء خفيفة كما قدمناه في المقدمة لكن وقع هنا في رواية الأصيلي " ابن المنير " بزيادة الألف واللام، فقد يلتبس بابن المنير الذي ننقل عنه في هذا الشرح لكنه بتثقيل الياء ونون مفتوحة، وهو متأخر عن هذا الراوي بأكثر من أربعمائة سنة. قوله: (حضرت الصلاة) هي العصر. قوله: (إلى أهله) أي لإرادة الوضوء (وبقي قوم) أي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، " ومن " في قوله " من حجارة " لبيان الجنس. قوله: (فصغر) بفتح الصاد المهملة وضم الغين المعجمة أي لم يسع بسط كفه صلى الله عليه وسلم فيه، وللإسماعيلي " فلم يستطع أن يبسط كفه من صغر المخضب " وهو دال على ما قلناه إن المخضب قد يطلق على الإناء الصغير، ومباحث هذا الحديث تقدمت في باب التماس الوضوء، وباقي الكلام عليه يأتي في علامات النبوة إن شاء الله تعالى. وقد أخرجه المصنف هناك عن عبد الله بن منير أيضا لكنه قال " عن يزيد بن هارون " بدل عبد الله بن بكر، فكأنه سمعه من شيخين، حدثه كل منهما به عن حميد. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ وَمَجَّ فِيهِ الشرح: قوله: (عن بريد) بالموحدة والراء مصغرا هو ابن عبد الله بن أبي بردة، والقدر المذكور من المتن تقدم بعضه معلقا في باب استعمال فضل وضوء الناس، وسيأتي مطولا في المغازي إن شاء الله تعالى. والغرض منه ذكر القدح وقد ذكرنا ما فيه. الحديث: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِهِ وَأَدْبَرَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ الشرح: قوله: (أحمد بن يونس) هو ابن عبد الله بن يونس نسب إلى جده، وعبد العزيز شيخه هو ابن عبد الله بن أبي سلمة نسب إلى جده أيضا، فاتفقا في أن كلا منهما ينسب إلى جده وفي أن كلا منهما اسم أبيه عبد الله وأن كلا منهما يكنى أبا عبد الله وأن كلا منهما ثقة حافظ فقيه. قوله: (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، وللكشميهني وأبي الوقت " أتانا". قوله: (فغسل وجهه) تفسير لقوله فتوضأ، وفيه حذف تقديره فمضمض واستنشق كما دلت عليه باقي الروايات، والمخرج متحد، وقد تقدمت مباحثه، وأن عبد العزيز هذا زاد في روايته أن التور كان من صفر أي نحاس جيد. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فَأَذِنَّ لَهُ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ بَيْنَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ أَتَدْرِي مَنْ الرَّجُلُ الْآخَرُ قُلْتُ لَا قَالَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَعْدَمَا دَخَلَ بَيْتَهُ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ وَأُجْلِسَ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ تِلْكَ حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ الشرح: قوله: (لما ثقل) أي في المرض، وهو بضم القاف بوزن صغر قاله في الصحاح، وفي القاموس لشيخنا: ثقل كفرح فهو ثاقل وثقيل اشتد مرضه، فلعل في النسخة سقطا والله أعلم. قوله: (في أن يمرض) بفتح الراء الثقيلة، أي يخدم في مرضه. قوله: (فأذن) بكسر المعجمة وتشديد النون المفتوحة أي الأزواج، واستدل به على أن القسم كان واجبا عليه، ويحتمل أن يكون فعل ذلك تطييبا لهن. قوله: (قال عبيد الله) هو الراوي له عن عائشة، وهو بالإسناد المذكور بغير أداة عطف. قوله: (وكانت) هو معطوف أيضا بالإسناد المذكور. قوله (هريقوا) كذا للأكثر، وللأصيلي " أهريقوا " بزيادة الهمزة، قال ابن التين هو بإسكان الهاء، ونقل عن سيبويه أنه قال أهراق يهريق أهرياقا مثل اسطاع يسطيع اسطياعا بقطع الألف وفتحها في الماضي وضم الياء في المستقبل وهي لغة في أطاع يطيع فجعلت السين والهاء عوضا من ذهاب حركة عين الفعل، وروى بفتح الهاء واستشكله، ويوجه بأن الهاء مبدلة من الهمزة لأن أصل هراق أراق ثم اجتلبت الهمزة فتحريك الهاء على إبقاء البدل والمبدل منه وله نظائر، وذكر له الجوهري توجيها آخر وأن أصله أأريقوا فأبدلت الهمزة الثانية هاء للخفة، وجزم ثعلب في الفصيح بأن أهريقه بفتح الهاء والله أعلم. قوله: (من سبع قرب) قال الخطابي: يشبه أن يكون خص السبع تبركا بهذا العدد، لأن له دخولا في كثير من أمور الشريعة وأصل الخلقة. وفي رواية للطبراني في هذا الحديث " من آبار شتى " والظاهر أن ذلك للتداوي لقوله في رواية أخرى في الصحيح " لعلي أستريح فأعهد " أي أوصى. قوله: (وأجلس في مخضب حفصة) زاد ابن خزيمة من طريق عروة عن عائشة أنه كان من نحاس، وفيه إشارة إلى الرد على من كره الاغتسال فيه كما ثبت ذلك عن ابن عمر. وقال عطاء: إنما كره من النحاس ريحـه. قوله: (نصب عليه من تلك) أي القرب السبع. قوله: (حتى طفق) يقال طفق يفعل كذا إذا شرع في فعل واستمر فيه. قوله: (ثم خرج إلى الناس) زاد المصنف من طريق عقيل عن الزهري " فصلى بهم وخطبهم ثم خرج " وهو في باب الوفاة في آخر كتاب المغازي، وسيأتي الكلام على بقية مباحثه هناك، وعلى ما فيه من أحكام الإمامة في باب حد المريض أن يشهد الجماعة إن شاء الله تعالى. *3* الشرح: قوله (باب الوضوء من التور) تقدمت مباحث حديث الباب قريبا، وأن التور بفتح المثناة شبه الطست وقيل هو الطست. ووقع في حديث شريك عن أنس في المعراج. " فأتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب " وظاهره المغايرة بينهما، ويحتمل الترادف، وكأن الطست أكبر من التور. الحديث: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ عَمِّي يُكْثِرُ مِنْ الْوُضُوءِ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَخْبِرْنا كَيْفَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ فَكَفَأَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثَ مِرَارٍ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاغْتَرَفَ بِهَا فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً فَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَدْبَرَ بِهِ وَأَقْبَلَ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فَقَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ الشرح: قوله: (حدثنا سليمان) هو ابن بلال، والإسناد كله مدنيون. قوله: (كان عمي) هو عمرو بن أبي حسن كما تقدم وهو عمه على الحقيقة. قوله (ثم أدخل يده في التور فمضمض) فيه حذف تقديره ثم أخرجها فمضمض. وقد صرح به مسـلم. قوله: (من غرفة واحدة) بتعلق بقوله " فمضمض واستنثر " والمعنى أنه جمع بينهما ثلاث مرات كل مرة من غرفة، ويحتمل أن يتعلق بقوله " ثلاث مرات " والمعنى أنه جمع بينهما ثلاث مرات من غرفة واحدة، والأول موافق لباقي الروايات فهو أولى. قوله: (فقال) أي عبد الله بن زيد (هكذا) هذه الزيادة صريحة في رفع الحديث وإن كان أول سياق الحديث يدل عليه. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِيهِ قَالَ أَنَسٌ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ قَالَ أَنَسٌ فَحَزَرْتُ مَنْ تَوَضَّأَ مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ الشرح: قوله: (حدثنا حماد) هو ابن زيد ولم يسمع مسدد من حماد بن سلمة. قوله: (رحراح) بمهملات الأولى مفتوحة بعدها سكون أي متسع الفم. وقال الخطابي: الرحراح الإناء الواسع الصحن القريب القعر ومثله لا يسع الماء الكثير فهو أدل على عظم المعجزة. قلت: وهذه الصفة شبيهة بالطست، وبهذا يظهر مناسبة هذا الحديث للترجمة. وروى ابن خزيمة هذا الحديث عن أحمد بن عبدة عن حماد بن زيد فقال بدل رحراح " زجاج " بزاي مضمومة وجيمين، وبوب عليه الوضوء من آنية الزجاج ضد قول من زعم من المتصوفة أن ذلك إسراف لإسراع الكسر إليه. قلت: وهذه اللفظة تفرد بها أحمد بن عبدة، وخالفه أصحاب حماد بن زيد فقالوا رحراح. وقال بعضهم " واسـع الفم " وهي رواية الإسماعيلي عن عبد الله بن ناجية عن محمد بن موسى وإسحاق بن أبي إسرائيل وأحمد بن عبدة كلهم عن حماد. وكأنه ساقه على لفظ محمد بن موسى، وصرح جمع من الحذاق بأن أحمد بن عبدة صحفها، ويقوي ذلك أنه أتى في روايته بقوله " أحسبه " فدل على أنه لم يتقنه، فإن كان ضبطه فلا منافاة بين روايته ورواية الجماعة لاحتمال أن يكونوا وصفوا هيئته وذكر هو جنسه. وفي مسند أحمد عن ابن عباس أن المقوقس أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم قدحا من زجاج، لكن في إسناده مقال. قوله "فحزرت " بتقديم الزاي أي قدرت، وتقدم من رواية حميد أنهم كانوا ثمانين وزيادة، وهنا قال ما بين السبعين إلى الثمانين، والجمع بينهما أن أنسا لم يكن يضبط العدة بل كان يتحقق أنها تنيف على السبعين ويشك هل بلغت العقد الثامن أو تجاوزته، فربما جزم بالمجاوزة حيث يغلب ذلك على ظنه. واستدل الشافعي بهذا الحديث على رد قول من قال من أصحاب الرأي: إن الوضوء مقدر بقدر من الماء معين، ووجه الدلالة أن الصحابة اغترفوا من ذلك القدح من غير تقدير، لأن الماء النابع لم يكن قدره معلوما لهم فدل على عدم التقدير، وبهذا يظهر مناسبة تعقيب المصنف هذا الحديث بباب الوضوء بالمد، والمد إناء يسع رطلا وثلثا بالبغدادي، قاله جمهور أهل العلم، وخالف بعض الحنفية فقالوا المد رطلان. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ جَبْرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ أَوْ كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ الشرح: قوله: (ابن جبر) بفتح الجيم وسكون الموحدة، ومن قاله بالتصغير فقد صحف، لأن ابن جبير وهو سعيد لا رواية له عن أنس في هذا الكتاب، والراوي هنا هو عبد الله بن عبد الله بن جبر بن عتيك الأنصاري، وقد رواه الإسماعيلي من طريق أبي نعيم شيخ البخاري قال: حدثنا مسعر حدثني شيخ من الأنصار يقال له ابن جبر. وفي الإسناد كوفيان أبو نعيم وشيخه، وبصريان أنس والراوي عنه. قوله: (يغسل) أي جسده، والشك فيه من البخاري أو من أبي نعيم لما حدثه به، فقد رواه الإسماعيلي من طريق أبي نعيم فقال " يغتسل " ولم يشك. قوله: (بالصاع) هو إناء يسع خمسة أرطال وثلثا بالبغدادي. وقال بعض الحنفية ثمانية. قوله: (إلى خمسة أمداد) أي كان ربما اقتصر على الصاع وهو أربعة أمداد، وربما زاد عليها إلى خمسة، فكأن أنسا لم يطلع على أنه استعمل في الغسل أكثر من ذلك لأنه جعلها النهاية، وقد روى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد هو الفرق، قال ابن عيينة والشافعي وغيرهما: هو ثلاثة آصع، وروى مسلم أيضا من حديثها أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء يسع ثلاثة أمداد، فهذا يدل على اختلاف الحال في ذلك بقدر الحاجة، وفيه رد على من قدر الوضوء والغسل بما ذكر في حديث الباب كابن شعبان من المالكية، وكذا من قال به من الحنفية مع مخالفتهم له في مقدار المد والصاع، وحمله الجمهور على الاستحباب لأن أكثر من قدر وضوءه وغسله صلى الله عليه وسلم من الصحابة قدرهما بذلك، ففي مسلم عن سفينة مثله، ولأحمد وأبي داود بإسناد صحيح عن جابر مثله، وفي الباب عن عائشة وأم سلمة وابن عباس وابن عمر وغيرهم، وهذا إذا لم تدع الحاجة إلى الزيادة، وهو أيضا في حق من يكون خلقه معتدلا، وإلى هذا أشار المصنف في أول كتاب الوضوء بقوله " وكره أهل العلم الإسراف فيه وأن يجاوزوا فعل النبي صلى الله عليه وسلم". *3* الشرح: قوله: (باب المسح على الخفين) نقل ابن المنذر عن ابن المبارك قال: ليس في المسح على الخفين عن الصحابة اختلاف، لأن كل من روى عنه منهم إنكاره فقد روى عنه إثباته. وقال ابن عبد البر: لا أعلم روي عن أحد من فقهاء السلف إنكاره إلا عن مالك، مع أن الروايات الصحيحة عنه مصرحة بإثباته، وقد أشار الشافعي في الأم إلى إنكار ذلك على المالكية، والمعروف المستقر عندهم الآن قولان: الجواز مطلقا، ثانيهما للمسافر دون المقيم. وهذا الثاني ما في المدونة وبه جزم ابن الحاجب، وصحح الباجي الأول ونقله عن ابن وهب، وعن ابن نافع في المبسوطة نحوه وأن مالكا إنما كان يتوقف فيه في خاصة نفسه مع إفتائه بالجواز، وهذا مثل ما صح عن أبي أيوب الصحابي. وقال ابن المنذر اختلف العلماء أيهما أفضل: المسح على الخفين، أو نزعهما وغسل القدمين؟ قال: والذي أختاره أن المسح أفضل لأجل من طعن فيه من أهل البدع من الخوارج والروافض. قال: وإحياء ما طعن فيه المخالفون من السنن أفضل من تركه ا ه. وقال الشيخ محيي الدين: وقد صرح جمع من الأصحاب بأن الغسل أفضل بشرط أن لا يترك المسح رغبة عن السنة كما قالوه في تفضيل القصر على الإتمام، وقد صرح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر، وجمع بعضهم رواته فجاوزوا الثمانين ومنهم العشرة، وفي ابن أبي شيبة وغيره عن الحسن البصري: حدثني سبعون من الصحابة بالمسح على الخفين. الحديث: حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ الْمِصْرِيُّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سَأَلَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ نَعَمْ إِذَا حَدَّثَكَ شَيْئًا سَعْدٌ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ غَيْرَهُ وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ سَعْدًا حَدَّثَهُ فَقَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ اللَّهِ نَحْوَهُ الشرح: قوله: (حدثنا أصبغ) بفتح الهمزة وكأن البخاري اختار الرواية عنه لهذا الحديث لقوله " المسح عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أكابر أصحابه في الحضر أثبت عندنا وأقوى مـن أن نتبع مالكا على خلافه". وعمرو هو ابن الحارث، وهو ومن دونه ثلاثة مصريون، والذين فوقه ثلاثة مدنيون، والإسناد رواية تابعي عن تابعي: أبو النضر عن أبي سلمة، وصحابي عن صحابي. قوله: (وأن عبد الله) هو معطوف على قوله عن عبد الله بن عمر فهو موصول إذا حملناه على أن أبا سلمة سمع ذلك من عبد الله وإلا فأبو سلمة لم يدرك القصة، وقد أخرجه أحمد من طريق أخرى عن أبي النضر عن أبي سلمة عن ابن عمر قال: " رأيت سعد بن أبي وقاص يمسح على خفيه بالعراق حين توضأ فأنكرت ذلك عليه، فلما اجتمعنا عند عمر قال لي سعد: سل أباك " فذكر القصة. ورواه ابن خزيمة من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر نحوه وفيه أن عمر قال " كنا ونحن مع نبينا نمسح على خفافنا لا نرى بذلك بأسا". قوله: (فلا تسأل عنه غيره) أي لقوة الوثوق بنقله، ففيه دليل على أن الصفات الموجبة للترجيح إذا اجتمعت في الراوي كانت من جملة القرائن التي إذا حفت خبر الواحد قامت مقام الأشخاص المتعددة، وقد يفيد العلم عند البعض دون البعض، وعلى أن عمر كان يقبل خبر الواحد، وما نقل عنه مـن التوقف إنما كان عند وقوع ريبة له في بعض المواضـع، واحتج به من قال بتفاوت رتب العدالة ودخول الترجيح في ذلك عند التعارض، ويمكن إبداء الفارق في ذلك بين الرواية والشهادة، وفيه تعظيم عظيم من عمر لسعد، وفيه أن الصحابي القديم الصحبة قد يخفى عليه من الأمور الجلية في الشرع ما يطلع عليه غيره، لأن ابن عمر أنكر المسح على الخفين مع قديم صحبته وكثرة روايته، وقد روى قصته مالك في الموطأ عن نافع وعبد الله بن دينار أنهما أخبراه " أن ابن عمر قدم الكوفة على سعد وهو أميرها فرآه يمسح على الخفين فأنكر ذلك عليه فقال له سعد سل أباك " فذكر القصة. ويحتمل أن يكون ابن عمر إنما أنكر المسح في الحضر لا في السفر لظاهر هذه القصة، ومع ذلك فالفائدة بحالها. والله أعلم قوله: (وقال موسى بن عقبة) هذا التعليق وصله الإسماعيلي وغيره بهذا الإسناد، وفيه ثلاثة من التابعين على الولاء أولهم موسى، وموسى وأبو النضر قرينان مدنيان. قوله: (أن سعدا حدثه) أي حدث أبا سلمة، والمحدث به محذوف تبين من الرواية الموصولة أن لفظه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين". قوله: (فقال) هو معطوف عل المقدر. قوله: (نحوه) بالنصب لأنه مقول القول، وظهر أن قول عمر في هذه الرواية المعلقة بمعنى الرواية التي وصلها المؤلف لا بلفظها. وقد وصله الإسماعيلي أيضا من طريق أخرى عن موسى بن عقبة ولفظه " وأن عمر قال لعبد الله - أي ابنه كأنه يلومه - إذا حدثك سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تبتغ وراء حديثه شيئا. الحديث: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ فَاتَّبَعَهُ الْمُغِيرَةُ بِإِدَاوَةٍ فِيهَا مَاءٌ فَصَبَّ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ الشرح: قوله: (حدثنا الليث) بن سعد (عن يحيى بن سعيد) هو الأنصاري وقد تقدم هذا الحديث من طريق أخرى عنه في باب الرجل يوضئ صاحبه، وأن فيه أربعة من التابعين على الولاء. وأخرجه المصنف في المغازي من طريق أخرى عن الليث فقال: عن عبد العزيز بن أبي سلمة بدل يحيى بن سعيد، وسياقه أتم، فكأن لليث فيه شيخين. قوله: (أنه خرج لحاجته) في الباب الذي بعد هذا أنه كان في سفر، وفي المغازي أنه كان في غزوة تبوك على تردد في ذلك من رواته. ولمالك وأحمد وأبي دواد من طريق عباد بن زياد عن عروة بن المغيرة أنه كان في غزوة تبوك بلا تردد، وأن ذلك كان عند صلاة الفجر. قوله: (فاتبعه) بتشديد المثناة المفتوحة، وللمصنف من طريق مسروق عن المغيرة في الجهاد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمره أن يتبعه بالإداوة، وزاد " فانطلق حتى توارى عني فقضى حاجته، ثم أقبل فتوضأ " وعند أحمد مـن طريق أخرى عن المغيرة أن الماء الذي توضأ به أخذه المغيرة من أعرابية صبته له من قربة كانت جلد ميتة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له " سلها فإن كانت دبغتها فهو طهور " وأنها قالت: أي والله لقد دبغتها. قوله: (فتوضأ) زاد في الجهاد " وعليه جبة شامية " ولأبي داود " من صوف من جباب الروم"، وزاد المصنف في الطريق الذي في " باب الرجل يوضئ صاحبه ": " فغسل وجهه ويديه " والفاء في فغسل تفصيلية، وتبين من ذلك أن المراد بقوله توضأ أي بالكيفية المذكورة، لا أنه غسل رجليه. واستدل به القرطبي على الاقتصار على فروض الوضوء دون سننه، لا سيما في حال مظنة قلة الماء كالسفر، قال: ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها فلم يذكرها المغيرة، قال: والظاهر خلافه. قلت بل فعلها وذكرها المغيرة، ففي رواية أحمد من طريق عباد بن زياد المذكورة " أنه غسل كفيه"، وله من وجه آخر قوي " فغسلهما فأحسن غسلهما " قال: وأشك أقال دلكهما بتراب أم لا. وللمصنف في الجهاد " أنه تمضمض واستنشق وغسل وجهه " زاد أحمد " ثلاث مرات، فذهب يخرج يديه من كمية فكانا ضيقين، فأخرجهما من تحت الجبة " ولمسلم من وجه آخر " وألقى الجبة على منكبيه " ولأحمد " فغسل يده اليمين ثلاث مرات ويده اليسرى ثلاث مرات " وللمصنف " ومسح برأسه " وفي رواية لمسلم " ومسح بناصيته وعلى عمامته وعلى الخفين " وسيأتي قوله " إني أدخلتهما طاهرتين " في الباب الذي بعد هذا. وحديث المغيرة هذا ذكر البزار أنه رواه عنه ستون رجلا، وقد لخصت مقاصد طرقه الصحيحة في هذه القطعة، وفيه من الفوائد الإبعاد عند قضاء الحاجة، والتواري عن الأعين، واستحباب الدوام على الطهارة لأمره صلى الله عليه وسلم المغيرة أن يتبعه بالماء مع أنه لم يستنج به وإنما توضأ به حين رجـع، وفيه جواز الاستعانة كما شرح في بابه، وغسل ما يصيب اليد من الأذى عند الاستجمار، وأنه لا يكفي إزالته بغير الماء، والاستعانة على إزالة الرائحة بالتراب ونحوه. وقد يستنبط منه أن ما انتشر عن المعتاد لا يزال إلا بالماء، وفيه الانتفاع بجلود الميتة إذا دبغت، والانتفاع بثياب الكفار حتى تتحقق نجاستها لأنه صلى الله عليه وسلم لبس الجبة الرومية ولم يستفصل، واستدل به القرطبي على أن الصوف لا ينجس بالموت لأن الجبة كانت شامية وكانت الشام إذ ذاك دار كفر ومأكول أهلها الميتات، كذا قال. وفيه الرد على مـن زعم أن المسح على الخفين منسوخ بآية الوضوء التي في المائدة لأنها نزلت في غزوة المريسيع وكانت هذه القصة في غزوة تبوك، وهي بعدها باتفاق، وسيأتي حديث جرير البجلي في معنى ذلك في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى. وفيه التشمير في السفر، ولبس الثياب الضيقة فيه لكونها أعون على ذلك، وفيه المواظبة على سنن الوضوء حتى في السفر، وفيه قبول خبر الواحد في الأحكام ولو كانت امرأة، سواء كان ذلك فيما تعم به البلوى أم لا، لأنه صلى الله عليه وسلم قبل خبر الأعرابية كما تقدم. وفيه أن الاقتصار على غسل معظم المفروض غسله لا يجزئ لإخراجه صلى الله عليه وسلم يديه من تحت الجبة ولم يكتف فيما بقي منهما بالمسح عليه، وقد يستدل به على من ذهب إلى وجوب تعميم مسح الرأس لكونه كمل بالمسح على العمامة ولم يكتف بالمسح على ما بقي من ذراعيه. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَتَابَعَهُ حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ وَأَبَانُ عَنْ يَحْيَى الشرح: قوله: (شيبان) هو ابن عبد الرحمن، ويحيى هو ابن أبي كثير. قوله: (عن أبي سلمة) وللإسماعيلي من طريق الحسن بن موسى عن شيبان عن يحيى حدثني أبو سلمة حدثني جعفر بن عمرو بن أمية. وفي الإسناد ثلاثة من التابعين على الولاء أولهم يحيى وهو تابعي صغير، وأبو سلمة وجعفر قرينان. قوله: (وتابعه) أي تابع شيبان (حرب) وهو ابن شداد، وحديثه موصول عند النسائي والطبراني. قوله: (وأبان) هو ابن يزيد العطار وهو معطوف على حرب، وحديثه موصول عند أحمد والطبراني. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ وَتَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَمْرٍو قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك. قوله: (عن يحيى) لأحمد عن أبي المغيرة عن الأوزاعي حدثني يحيى. قوله: (على عمامته وخفيه) هكذا رواه الأوزاعي وهو مشهور عنه. وأسقط بعض الرواة عنه جعفرا من الإسناد، وهو خطأ قاله أبو حاتم الرازي. قوله: (وتابعه) أي تابع الأوزاعي (معمر) ابن راشد في المتن لا في الإسناد، وهذا هو السبب في سياق المصنف الإسناد ثانيا ليبين أنه ليس في رواية معمر ذكر جعفر، وذكر أبو ذر في روايته لفظ المتن وهو قوله " يمسح على عمامته " زاد الكشميهني " وخفيه " وسقط ذكر المتن من سائر الروايات في الصحيح، وراوية معمر قد أخرجها عبد الرزاق في مصنفه عن معمر بدون ذكر العمامة، لكن أخرجها ابن منده في كتاب الطهارة له من طريق معمر بإثباتها، وأغرب الأصيلي فيما حكاه ابن بطال فقال: ذكر العمامة في هذا الحديث من خطأ الأوزاعي، لأن شيبان وغيره رووه عن يحيى بدونها، فوجب تغليب رواية الجماعة على الواحدة، قال: وأما متابعة معمر فليس فيها ذكر العمامة، وهي أيضا مرسلة لأن أبا سلمة لم يسمع من عمرو. قلت: سماع أبي سلمة من عمرو ممكن، فإنه مات بالمدينة سنة ستين وأبو سلمة مدني ولم يوصف بتدليس، وقد سمع من خلق ماتوا قبل عمرو، وقد روى بكير بن الأشج عن أبي سلمة أنه أرسل جعفر ابن عمرو بن أمية إلى أبيه يسأله عن هذا الحديث، فرجـع إليه فأخبره به، فلا مانع أن يكون أبو سلمة. اجتمع بعمرو بعد فسمعه منه. ويقويه توفر دواعيهم على الاجتماع في المسجد النبوي، وقد ذكرنا أن ابن منده أخرجه من طريق معمر بإثبات ذكر العمامة فيه، وعلى تقدير تفرد الأوزاعي بذكرها لا يستلزم ذلك تخطئته، لأنها تكون زيادة من ثقة حافظ غير منافية لرواية رفقته فتقبل، ولا تكون شاذة، ولا معنى لرد الروايات الصحيحة بهذه التعليلات الواهية. وقد اختلف السلف في معنى المسح على العمامة فقيل: إنه كمل عليها بعد مسح الناصية، وقد تقدمت رواية مسلم بما يدل على ذلك، وإلى عدم الاقتصار على المسح عليها ذهب الجمهور. وقال الخطابي: فرض الله مسح الرأس، والحديث في مسح العمامة محتمل للتأويل، فلا يترك المتيقن للمحتمل. قال: وقياسه على مسح الخف بعيد، لأنه يشق نزعه بخلافها، وتعقب بأن الذين أجازوا الاقتصار على مسح العمامة شرطوا فيه المشقة في نزعها كما في الخف، وطريقة أن تكون محنكة كعمائم العرب. وقالوا عضو يسقط فرضه في التيمم فجاز المـسح على حائله كالقدمين. وقالوا الآية لا تنفي ذلك ولا سيما عند من يحمل المشترك على حقيقته ومجازه لأن من قال قبلت رأس فلان يصدق ولو كان على حائل، وإلى هذا ذهب الأوزاعي والثوري في رواية عنه وأحمد وإسحاق وأبو ثور والطبري وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهم. وقال ابن المنذر: ثبت ذلك عن أبي بكر وعمر، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا". والله أعلم.
|